بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين أما بعد :
لكم إخوتي الأعضاء كما وعدتكم البردة المشرفة مع معانيها ما تيسر إن شاء الله :
الفصل الأول
مولاي صلــــي وسلــــم دائمـــاً أبــــدا
علـــى حبيبــــك خيــر الخلق كلهـم
أمن تذكــــــر جيــــــرانٍ بذى ســــــلم
مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بـــــدم
َمْ هبَّــــت الريـــــحُ مِنْ تلقاءِ كاظمــةٍ
وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
ذي سلم : موضع بين مكة و المدينة قرب قديد .
مقلة: شحمة العين التي هي السواء و البياض .
تلقاء: ناحية .
كاظمة: طريق إلى مكة معروف .
أومض: لمع و أضاء .
إضم: موضع قرب المدينة .
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتـــــــــــــــا
وما لقلبك إن قلت استفق يهـــــــــم
أيحسب الصب أن الحب منكتـــــــــــم
ما بين منسجم منه ومضطــــــــرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طـــــللٍ
ولا أرقت لذكر البانِ والعلــــــــــمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شـــــــــــــهدت
به عليك عدول الدمع والســـــــــقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضــــــــنى
مثل البهار على خديك والعنــــــــم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقنـــــــي
والحب يعترض اللذات بالألــــــــمِ
اكففا: امتنعتا عن الدمع .
همتا: سالتا بالدمع .
استفق: انتبه و ارجع الى رشدك .
يهم: يزداد عشقا .
الصب: العاشق .
منكتم: مستتر .
منسجم: الدمع السائل .
مضطرم: القلب الملتهب شوقا .
ترق: تسكب .
طلل: الطلل ما بقي من آثار الديار .
أرقت: سهرت .
البان: شجر لين الغصون .
العلم : جبل بالحجاز .
عدول : شهود و صدق .
الوجد : الحب و الحزن .
خطي : طريقي .
عبرة : دمعه .
وضنى : الضعف و الهزل .
البهار : زهر أصفر .
العنم : زهر أحمر .
طيف : خيال .
فأرقني : أسهرني .
يا لائمي في الهوى العذري معـــــذرة
مني إليك ولو أنصفت لم تلــــــــــمِ
عدتك حالي لا سري بمســــــــــــــتتر
عن الوشاة ولا دائي بمنحســـــــــم
محضتني النصح لكن لست أســـــمعهُ
إن المحب عن العذال في صــــــممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عـــــذلي
والشيب أبعد في نصح عن التهـــتـمِ
الهوى : الحب الطاهر .
عدتك : تجاوزتك حالي , و المعنى لا أراك الله حالي .
الوشاة : المنشغلين بالفتنة بين الناس .
منحسم : منقطع .
محضتني : أخلصت لي .
العذال : اللوام .
اتهمت : شككت في نصحه .
الشيب : أي ظهور الشيب كناصح بقرب الرحيل .
عذلي : لومي .
التعليق :إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لازم لكل مسلم يدعي الإيمان بالله تعالى ومحبته سبحانه ؛ إذ الإيمان بالله لا يصح إلا بمحبته سبحانه ، ومحبته تعالى لا تتم إلا بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعته كما دل ذلك قوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ( آل عمران/31 ) ، وقال سبحانه : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتيَ الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) ( التوبة /24 ) .. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : [ ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... الحديث ] ( متفق عليه ) ، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : [ لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ] ( متفق عليه ) .
ولهذه المحبة أثرها على صاحبها ، فمتى تمكنت من قلب عبدٍ ظهر ذلك ـ ولا بد ـ على جوارحه وعلى فلتات لسانه ، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر دليل وأعظم أسوة .
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم قد حدت بكثير ممن عايشوها وعاينوها وكابدوها أن يمتدحوا محبوبهم صلى الله عليه وسلم نثراً وشعراً ، وقد خلد التاريخ بعض هذه المدائح كقصائد حسان بن ثابت ، وكعب ابن زهير ، وعبد الله بن رواحة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وغيرهم كثير سواء في القديم أو في الحديث .
ومن القصائد التي كتب الله لها الذيوع والانتشار بردة البوصيري رحمه الله حيث حفظها أجيال من الناس لا يحصى عددهم .